سبحات!.. إبراهيم يوسف الشيخ سيديا

عندما تغور النجوم، وتهدأ العيون، ويسرى الليل ساجيا فى صمت الوجود، ورهبة الكون، ينزوى الإنسان فى ركن صغير، بعد سبْحٍ فى النهار طويلٍ، فيُسلِمُ روحَه إلى الغيب، والكونُ من حوله يَسْبَح ويُسَبِّح فى حركة دائبة لا تقف ولا تعرف الكلل والفتور. 






ترى ما ذا يمثل هذا الكائن الضعيف المدَّثِّر بلِحافه الصغير فى سُدْفة الليل البهيم بين هذه العوالم الجبارة وهذا الملكوت العملاق؟ 
أين هو من المجَرّات والمجموعات الشمسية والمنازل والبروج والحُبُك والطرائق والفلَك الدوّار ومواقع النجوم؟
أين هو من الأرض والجبال والشجر والدواب والبحار والأنهار والمحيطات والأمواج والفُلْك المُوقَرة بالأثقال تمخَر العُباب جِيئةً وذهوبا؟ 
كل ما فى هذا الكون مما نبصره وما لا نبصره، مما نعلمه وما لا نعلمه، مسخر لك أيها الملتحف الضئيل فى تلك النقطة الضئيلة من هذا الكوكب الضئيل.
فمَن أنت؟ وبأىّ مزِيَّة خُوِّلتَ هذه المنزلة؟ 
ثمّ تنبعث من مرقَدك بعد هذه الرحلة العجيبة، فتجد الكون على ما عهِدت، وعجَلةَ الحياة على ما ألِفت، فتلِجُ من جديد فى تلك الدُّوامة، وتدخل فى المعترَك والضوضاء، ثم لا تلبَث أن يلُفَّك الليل بجِلبابه، ويحُوزَك إلى سِرْدابه.
وهكذا دوَالَيْك.
فهل فكرت فى مَغزى الحياة؟ وهل عقلت حقيقة الكينونة ومعنى الوجود؟
إن أخشى ما أخشاه عليك أن لا تفهمَ فتكونَ من المؤمنين بعبَثيَّة الحياة و"عدمية" الوجود.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كافة الحقوق محفوظة 2013 © مدونة alghasry