كتابات الشيخ أبي عمر إبراهيم السكران حفظه الله
وفرج عنه جديرة بالقراءة المتأنية!.. فقد كان الرجل أحد أساطين الفكر، قبل أن يحمل
لواء المنافحة عن الدين والدعوة إليه، مما أكسبه رصيدا معرفيا وثقافيا واسعا ..
هذا الرصيد المعرفي الكبير لم يمنع صاحبنا من التواضع لأهل العلم وثني الركب في
مجالسهم والتسليم لكلامهم!.. وفوق هذا فإن عقلاني الأمس أضحى معظما للوحي منكبا
عليه دارسا ومتدبرا .. في كتابات السكران يتعانق الذكر والفكر، وينسجم العقل
المتوثب مع القلب المخبت!..
كتب الشيخ البحاثة عشرات البحوث والمقالات التي سارت بها
الركبات ، وحلقت في فضاءات الفكر شرقا ومغربا، والسمة الغالبة في كتابات السكران:
ترويض الفكر بأدوات تلامس الروح وتسكن الفؤاد، وكأنه كان يرى الفكر بمنظار الشيخ
المحدث عبدالعزيز الطريفي: "الفكر تحريك العلم.. وإذا زاد العلم وزاد التفكر
خرجت الأفكار النافعة، وأكثر الأضرار من مفكر بلا علم".
وقديما قال إقبال:
حديـث الـروح لـلأرواح
يـســـري وتـدركـه الـقـلـوب بــلا عـنــاء
هتـفـت بــه فـطــار بـلا جناح وشـــق أنـيـنـه صــدر الـفضاء
ومـعــدنــه تــرابــي
ولـكـن جرت
فــي لفـظـه لـغـة السـمـاء
وهذه المزاوجة بين العقل والروح سمة لا تكاد
تنفك عن كتابات الشيخ، يقول السكران : "حالات
الانحراف عن التدين كثرت هذه الأيام .. وبينها تفاوت كبير .. فبعضهم مشكلته
"علمية" بسبب رهبة عقول ثقافية كبيرة انهزم أمامها .. وبعضهم مشكلته
"سلوكية" بسبب ضعفه أمام لذائذ اللهو والترفيه.. وإن كان الأمر دوماً مركب
من هوى وشبهة، لكنه يكون أغلب لأحدهما بحسب الحال، وأنا إلى هذه الساعة على كثرة
ما تعاملت مع هذه الحالات لا أعرف علاجاً أنفع من (تدبر القرآن).. فإن القرآن يجمع
نوعي العلاج (الإيماني والعلمي) ، وهذا لايكاد يوجد في غير القرآن ، فالقرآن
له سر عجيب في صناعة الإخبات في النفس البشرية (وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق
من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم)..
وإذا تهيأ المحل بالإيمان لان لقبول الحق والإذعان له، كما قال تعالى:
(الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم
تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله).
فصناعة الإخبات هم يؤرق الشيخ السكران، الذي
يرفض بقوة "ثقافة الغفلة!.. إذ يقول: (يتصور البعض أن كثرة استحضار الآخرة
حالة وعظية سطحية لا تليق بالمثقف ، برغم أن الله جعلها فخرا خالصا لأرقى البشرية
وهم الأنبياء : (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ
أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى
الدَّارِ ).
ثم إن السكران لم يقف عند هذا الحد، بل
غاص في ظاهرة الانفصام الذي تعانيه نخبنا، وبحث في منشئه، يقول: "لطالما
توهمت أن الانحراف الفكري ناشئ من "شبهات" تحتاج لجواب علمي .. مؤخرا حين رأيت تعامل كثير من هؤلاء مع الحقائق الشرعية
، ونمط تهربهم عنها أدركت أن العامل الحاسم لم يكن علميا بقدر ماهو نفسي ،
وهو بكل اختصار " اضمحلال العزة بالإسلام" من كثير من النفوس، والله
لو كمُل تعظيم الشريعة في القلب لامتنع أن يتبنى هذه الأفكار .. ياسبحان الله!..
هربوا من عزة الشريعة وسقطوا في العبودية والخنوع للغربي وأفكاره".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق