يأسرني كثيرا أسلوب الأخوين سيد ومحمد
قطب عليهما رحمة الله، وأهوى الانتجاع في وارف ظلال تراثهما الثر، وأكثر ما
يستوقفني روح تسري في كلامهما لها في القلوب وقع عجيب ... تبلغ مداها عند الحديث
عن الحاكمية، وعن نبذنا منهج الله وراء الظهور.. عندها أحس بظلة من الشرود والتيه
تحجب عني الأفق، فتستحيل متعتي بأسلوبهما هما وغما لِما آل إليه واقع أمتنا وقد تداعى إليها الأعداء.
تحجب عني الأفق، فتستحيل متعتي بأسلوبهما هما وغما لِما آل إليه واقع أمتنا وقد تداعى إليها الأعداء.
ذكرتني أحداث الشام
وفلسطين بهذه الظلة، بل بظلة أخرى أكثف وأثقل ... أحسست ظلة من الذل ... الذل الذي
نتجرعه صباح مساء ... وهل بعد ما حدث ويحدث من ذل؟!!.. يباد إخواننا بدم
بارد نهارا جهارا، دون تمييز بين نساء ورجال أو شيب وشباب ... ثم لا أحد يحرك
ساكنا كائنا من كان!.. حتى الشجب والاستنكار ومظاهر الرفض الأخرى تلاشت تماما ...
فما لجرح بميت إيلام!...
وهذه الجيوش المجيشة ومخازن السلاح التي أنفق عليها من قوت الأمة تبقى معطلة في
أحسن أحوالها، أو عونا وسندا للعدو في الغالب؟!.. فما فائدة الجند والسلاح إذا لم
تعد ليوم كريهة؟!.. وإن لم تكن الحاجة إليها الآن فمتى تكون؟!..
لقد غابت من قاموس العرب معاني كانت من محددات سلوكهم وسمات شخصيتهم، كالكرامة
والنخوة والمروءة وإباء الضيم وإغاثة الملهوف، ناهيك عن معاني الأخوة الإسلامية
ومقتضيات الشعور بالجسد الواحد، وأولاها واجب النصرة.
لقد أصبحت أنأى بنفسي عن نشرات الأخبار، فما عاد محتواها يحتمل حتى من أقسى القلوب
وأقواها، فشاشات القنوات مضرجة بدمائنا النازفة وصانع مآسينا يبرر ويتوعد بالمزيد،
بل لا يكل ولا يمل من مطالبة بعضنا بمساعدته في قتل البقية تحت دعاوى الارهاب ...
يرفع هذه الدعاوى العراض وهو يتلذذ بممارسة هوايته في قتل النساء والأطفال بأبشع
الأسلحة وأفتكها.
في الشام يقتلنا الروس وفي
فلسطين يقتلنا الأمريكيون وقد تواروا خلف الصهاينة حتى وإن تظاهروا بغير ذلك، وفوق
هذا كله تتبدد القوى ويغيب المشروع الذي يحفظ على الأمة قوتها ويوحد جهودها نحو
الهدف ... ينشغل بعضنا بطلب المدد من الأعداء وتتعلق القلوب
بوعودهم التي فضحت الوقائع زيفها، وينشغل آخرون ببسط سلطانهم الموهوم على الأجساد
الممزعة، وآخرون يستغلون العدوان لطعن ظهور إخوانهم طمعا في حطام زائل وإمارة
زائفة! ... فإلى الله وحده المشتكى وهو حسبنا ونعم الوكيل ... فليس لها من دونه
كاشفة.
وإن أحالت ظلة الذلة هذه حياتي إلى جحيم فإن أبطال السكاكين في بيت المقدس
وأكناف بيت المقدس وأبطال ملحمة الشام الثابتين يعيدون الأمل من جديد، ويرسمون من
صور البطولة والفداء ما يخفف من وقع الأسى، ويبعث في الأمة الروح فيتردد صدى هتاف
المجد، لتصحو بإذن الله فتنفض عنها سنة النوم وغبار السنين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق