تفسير سورة الإخلاص

بين يدي السورة:
     الإخلاص سورة قصيرة المبنى عظيمة المعنى، مكية على الراجح، وردت في فضلها أحاديث كثيرة، استهلت بالأمر لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يعلن الأحدية: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»  التي هي عقيدة للضمير، وتفسير للوجود، ومنهج للحياة!.. فالدعوة الأولى "قاصرة على تقرير حقيقة التوحيد"، لأن التوحيد هو الأمر كله والدين كله، وما بعده من
تفصيلات وتفريعات لاتعدو أن تكون الثمرة الطبيعية لاستقرار هذه الحقيقة بهذه الصورة في القلوب (1).


سبب النزول:
-       أخرج شيخ المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله بسنده عن أبي العالية، عن أبي بن كعب، قال: قال المشركون للنبيّ صلى الله عليه وسلم: انسب لنا ربك، فأنزل الله: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ)، وعن عكرمة، قال: إن المشركين قالوا: يا رسول الله أخبرنا عن ربك، صف لنا ربك ما هو، ومن أي شيء هو؟ فأنزل الله: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)...
-       يقول ابن جرير رحمه الله: "فتأويل الكلام: إذا كان الأمر على ما وصفنا، قل يا محمد لهؤلاء السائليك عن نسب ربك وصفته، ومن خلقه: الرب الذي سألتموني عنه، هو الله الذي له عبادة كل شيء، لا تنبغي العبادة إلا له، ولا تصلح لشيء سواه" (2).
-       وأخرج ابن أبي حاتم في التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما: "إن يهود جاءت النبي صلى الله عليه وسلم، منهم كعب ابن الاشرف وحيي بن أخطب، فقالوا: يا محمد صف لنا ربك الذي بعثك، فأنزل الله : "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ"..
-       وورد أنها نزلت في وفد نصارى نجران، وهو قول ثالث (3).
     ومن أمعن النظر في السورة معنى ومبنى أدرك رجحان القول بأنها مكية، وهو قول ابن مسعود والحسن وعطاء وعكرمة وجابر، ومنه يترجح القول الأول في سبب النزول، وهو أن السؤال كان من مشركي مكة.
     ومعظم روايات ترتيب السور تجعل "قل هو الله أحد" بعد سورتي الناس والفلق، واتحاد ظرف السور الثلاث وتقارب أو تعاقب نزولها منسجم مع الترابط الموضوعي، فالله الأحد الفرد الصمد هو وحده النافع الضار، المستعاذ به من شر مخلوقاته، ومن شر كل ذي شر من الجنة والناس (4).
أسماء السورة:
      الاسم الشائع للسورة: "سورة الاخلاص"، به عنونت المصاحف وكتب التفاسير وبعض دواوين السنة، كالجامع للترمذي، ووجه التسمية واضح فالسورة كلها عن إخلاص العبادة لله عز وجل وحده لا شريك له، فالله أخلص هذه السورة لنفسه، ومن قرأها موقنا فقد تخلص من الشرك وعلائقه.
      والمتتبع للأحاديث الواردة في فضل هذه السورة العظيمة يجد أن اسم السورة "قل هو الله أحد"، وبه بوب البخاري في كتاب التفسير من صحيحه.
      أما الأسماء الاجتهادية المبثوثة في كتب التفسير فتربو على العشرين، لكنها عند التحقيق صفات ومعان جليلة من هذه السورة الكريمة، وبعضها مشتق من أحاديث لا تصح عنه صلى الله عليه وسلم، ومن الاسماء الاجتهادية: سورة ‏الأساس‏‏، ‏والتوحيد‏‏، ‏والإيمان، والصمدية، والجمال، والمشقشقة‏‏ ‏إلى ‏غير ‏ذلك الأسماء (5).
فضل سورة الاخلاص:                                                                                     
-       أخرج البخاري في الصحيح عن أبي سعد، أن رجلا سمع رجلا يقرأ: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» يرددها، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، وكأن الرجل يتقالها، فقال النبيصلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثلاث القرآن»، والفضل هنا من جهتين: جهة (الأجر والثواب) وجهة (المعاني والعقائد) (6).
-       وروى الشيخان والترمذي عن أبي الدرداء عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن، قالوا وكيف يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟!.. قال: "قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن».
-       وروى مسلم والترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «احشدوا فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن، فحشد من حشد، فخرج نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ:   "قل هو الله أحد"، ثم دخل فقال بعضنا لبعض: إني أرى هذا خبرا جاءه من السماء فذاك الذي أدخله، ثم خرج نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "إني قلت لكم سأقرأ عليكم ثلث القرآن، ألا إنها تعدل ثلث القرآن».
-       وروى الترمذي عن أبي هريرة قال: «أقبلت مع النبي صلّى الله عليه وسلّم فسمع رجلا يقرأ "قل هو الله أحد الله الصمد"، فقال رسول الله وجبت قلت وما وجبت قال الجنة».
-        لم يرد عن النبي صلى الله  مشروعية تكرار سورة في الصلوات غيرها، وكذا محبة الله للإمام الذى أحبها، ففي صحيح مسلم: «بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم رجلا على سريّة فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد فلما رجعوا ذكر ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلّم فقال سلوه لأيّ شيء يصنع ذلك فسألوه فقال لأنها صفة الرحمن فأنا أحبّ أن أقرأ بها فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخبروه أنّ الله يحبّه»، وروى الترمذي عن أنس قال: «كان رجل من الأنصار يؤمّهم في مسجد قباء فكان كلّما أمّهم في الصلاة قرأ بقل هو الله أحد ثم يقرأ سورة أخرى معها ... وفي آخر الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن حبّها أدخلك الجنة».
-        وصية النبي لغير واحد من أصحابه بتلاوتها: (لا تدعهن في صباح ولا في مساء)، يعني الاخلاص والمعوذتين.
-        ومن وجوه التفضيل لسورة الإخلاص أن الله سبحانه جعل لها أثرًا بقرائتها كالشفاء في الرقية وغيرها (7).
والنصوص في فضل السورة كثيرة مبثوثة في دواوين السنة.
أهداف السورة:
      سورة "قل هو الله أحد" كأكثر قصار السور تتصف بوحدة الموضوع، فهدف السورة واحد: تمجيد الله الأحد الصمد وتنزيهه، ففي الآيتين الاوليين: نسبة صفات الكمال والجلال لله، وفي الآيتين الأخيرتين: تنزيهه عن صفات النقص، لذا استحق "إخلاص" العبودية.
      وهذا الهدف الأسمى للسورة انتظم في مقطع واحد، من أربع آيات قصار، متناسقة متناغمة، متحدة الفاصلة، مختومة بالدال المقلقة، مما يكسبها جلالا وجمالا، تماما كما تتحدث عن معاني الجلال والجمال، ويمكن تمييز أغراض ومحاور جزئية في السورة:
-       إثبات الوحدانية لله تعالى.
-       اتصافه سبحانه بصفات الكمال وتنزيهه عن صفات النقص.
-       تنزيهه عن الوالد والولد.
-       تنزيهه عن الند والشبيه  "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" (8).




التفسير التحليلي للسورة:
     قبل البدء في تدبر السورة الكريمة، وإبراز جوانب من نظمها والمناسبة بين آياتها، وربطها بسباقها ولحاقها يحسن تحليل الآيات الكريمة ومدلولاتها بالرجوع إلى كلام المفسرين، وربط هذه الآيات بما يماثلها ويبينها من كلام الله عز وجل، فلا أعلم بكلام الله منه سبحانه.
قوله تعالى: "قل":
   الاستهلال بفعل القول دليل العيانة بما بعده، وفيه إشارة لنزول السورة على سبب، فكان الرد عليه بتوجيه الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد ... (9).
قوله تعالى: "الله أحد":
    ذهب طائفة إلى أن "أحد" بمعنى الواحد، والأكثرون على أن اللفظين غير مترادفين، قال الأزهري: لا يوصف بالأحدية غير الله تعالى، فلا يقال رجل أحد ولا درهم أحد.. بل "أحد" صفة من صفات الله تعالى استأثر بها فلا يشركه فيها شيء (10).
     فالله سبحانه وتعالى أحدٌ في ذاته، أحد في أفعاله، أحد في صفاته، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فهذ التفسير إذا استقر في قلب المؤمن خلص من كل غاشية ومن كل شائبة، وتحرر من جميع القيود، وانطلق من كل الأوهاق (11).
وهذا المعنى مبثوث في كتاب الله تعالى، لأنه غاية الوجود وسر الخلق، يقول الله تعالى :
" وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ " - البقرة [163] .
" وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ " - التوبة [31].
" قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ" - ص [65].
" هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ" - إبراهيم [52].
" لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا " - الانبياء [22] .
" قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا " - الاسراء [43] .
قوله تعالى: "الله الصمد":
     أطال شيخ المفسرين محمد بن جرير الطبري رحمه الله النفَس – كعادته– في شرح معنى "الصمد" من كلام الصحابة والتابعين، فقد ذهب ابن عباس إلى أن:
-       (الصَّمَدُ): السيد الذي قد كمُل في سُؤدَده.
-       وقريب منه عن شقيق بن سلمة.
-       وعن قتادة: الدائم.
-       وعن مجاهد: المُصْمَت الذي لا جوف له.
-       وعكرمة: الذي لم يخرج منه شيء، ولم يلد، ولم يولد.
-       وعن الحسن والشعبي والضحاك الذي لا يأكل الطعام، ولا يشرب الشراب.
     وقد عقب أبو جعفر على هذه الأقوال بقوله: (الصمد عند العرب: هو السيد الذي يُصمد إليه، الذي لا أحد فوقه، وكذلك تسمى العرب أشرافها، ومنه قول الشاعر:
 ألا بَكَرَ النَّاعي بِخَيْرَيْ بَنِي أسَدْ ... بِعَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وبالسَّيِّدِ الصَّمَدْ
وقال الزبرقان: وَلا رَهِينَةً إلا سَيِّدٌ صَمَدُ.
      فإذا كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى بتأويل الكلمة المعنى المعروف من كلام من نزل القرآن بلسانه) (12).
     وهذه المعاني تتكامل ولا تتعارض، وكذلك غالب تفسير السلف رحمهم الله، لذا فإن الآية تحتمل هذه المعاني جميعها.
     ولم يرد اسم "الصمد" في غير هذا الموضوع من كتاب الله عز وجل، وفي سورة الانعام قوله تعالى: "وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ" (14)، وهو أحد معاني هذا الاسم. (13).
قوله تعالى: (لم يلد ولم يولد):
      ليس بفانٍ، لأنه لا شيء يلد إلا هو فانٍ بائد، وليس بمحدث لم يكن فكان، لأن كل مولود فإنما وجد بعد أن لم يكن، قال الله تعالى: " وَقُل الحَمدُ لله  الَّذِي لَم يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْك.. " – سورة  الاسراء (111)، وقال تعالى: "وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا" - مريم (92/93)، وقال عز من قائل: "مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ" – المؤمنون (الآية - 91) (14).
قوله تعالى: (ولم يكن له كفوا أحد):
     معنى ذلك: ولم يكن له شبيه ولا مِثْل، قاله ابن عباس وأبو العالية وكعب، وعن ابن جريج: مِثل، وعن مجاهد : صاحبة.
     والكُفُؤُ والكُفَى والكِفَاء واحد: المِثل والشِّبْه، ومنه قول نابغة ذبيان:
             لا تَقْذِفَنِّي بِرُكْن لا كِفَاء لَهُ ... وَلَوْ تَأَثَّفَكَ الأعْدَاءُ بالرِّفَدِ (15)
وقد جاء نفي الكفء والمثل والند والعدل عن الله عز وجل، قال الله تعالى: "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ"- الشورى (11)، وقال: " فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ" – النحل (74)، وقال عز من قائل: " فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" - البقرة (22)، وقال سبحانه: " ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ" - الانعام (الآية- 1) (15).
سورة الإخلاص .. نظرات في الربط والمناسبة:
      جاءت "سورة تبت" لتقرر خسران الانسان وسوء عاقبته حين يعرض عن الله الأحد الصمد، ويغتر بماله وما معه من مكاسب دنيوية زائلة، فيكون  مصيره جهنم عياذا بالله .. هو ومن كان معه في مناصبة دين الله العداء .. يذوقون فيها صنوف العذاب الأليم، فناسب بعد ذكر أسباب الخسران ذكر سبب النجاة الذي هو الإخلاص، فكانت سورة الاخلاص، صفة الرب عز وجل المستحق للعبادة وحده لا شريك له، فالمسد حبل هلاك، والاخلاص حبل النجاة.
       وفيه ملمح لطيف في الربط بين السورتين، وتثبيتٌ لحملة الدين ودعاته .. فمهما استطالت قوى الشر واستقوت بالمال والجاه فأمرها إلى خسران ووبال، والعاقبة لكم أيها المتقون فربكم الله الأحد الصمد، الذي لم يلد ولو يولد ولم يكن له كفؤا أحد، وبهذا المعنى ينعم لداعية بلذة المعية، ويأوي إلى ركن شديد.
      إن الانسجام والتكامل لا يقتصر بين سورة الاخلاص والمسد، بل يمتد لسور أخرى قبلها، حيث نجد في سورة "العصر" أن أصل الانسان الخسران إلا من حاز شرط الإيمان، فكأنها جمعت معاني المسد والاخلاص معا، وفي سورة "الكافرون" أيضا اتصال وثيق بسورة الاخلاص، لذا كان من أسمائها  أيضا الإخلاص، "وقد قالوا: إنها اشتملت على التوحيد، وهذه أيضا مشتملة عليه، ولهذا قرن بينهما في القراءة في الفجر، والطواف، والضحى، وسنة المغرب" (16).
 فكأن سورتي التوحيد (الكافرون والاخلاص) اختصرتا الشهادة الكبرى (لا إله إلا الله) ...       نفي وإثبات ... كفر بالطاغوت وإيمان بالله سبحانه.
       وقد مرر معنا أن سورة الاخلاص "مقطع واحد" من أربع آيات قصار متناسقة متناغمة، متحدة الفاصلة، مختومة بالدال المقلقة، مما يكسبها جلالا وجمالا، تماما كما تتحدث عن معاني الجلال والجمال، وأنها استفتحت بـ"قل" مع ما فيها من براعة الاستهلال وكمال العناية، ونضيف هنا ملامح أخرى يسيرة من بلاغة السورة ونظمها.
     إن ربط "الصمد" بلفظ الجلالة "الله" صيغة قصر، لتعريف المسند والمسند إليه، فتفيد قصر صفة الصمدية على الله سبحانه، وهو قصر قلب، فالأصل: الصمد الله، فبطل بذلك ما اعتاده المشركون من دعاء غير الله عز وجل، ثم أبطل قولُه سبحانه: "لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ" تعدد الإله بطريق تولد إله عن إله، تماما كما أبطلت "الله الصمد" تعدد الآلهة أصالة واستقلالا، ثم جاء عطف جملة (لَمْ يُولَدْ) على (لَمْ يَلِدْ) كنوع احتراس من أن يكون له والد، وقدم نفي الولد لأن أهل الضلالة نسبوه إلى الله تعالى، ثم جاء التذييل عاما قاطعا نافيا للند والشبيه (17).
      أما ربط "الفلق والناس" بـ"الاخلاص" فقد مر معنا في مبحث "سبب النزول" اتحاد ظرف السور الثلاث وتقارب أو تعاقب نزولها، مع ترابطها الموضوعي، فالله الأحد الفرد الصمد هو وحده النافع الضار، المستعاذ به من شر مخلوقاته، ومن شر كل ذي شر من الجنة والناس، فـ"الإخلاص" لله، والفلق والناس لعبده ولعبده ما سأل.
      ثم إن السيد الأحد الصمد عالم بحال عباده وافتقارهم، وبالشرور المحدقة بهم، فاقتضى كرمه ولطفه دلالتهم على اللجأ إليه والاستعاذة واللياذ به سبحانه، فهو رب الناس وملك الناس الحافظ لعباده.
      إن الارباط – بل التكامل – بين السور الثلاث بين ظاهر، وفي ورودها مجتمعة في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم مصداق لذلك.


المراجــــــــــــــــــــــــــع:
(رجعنا لتفسير السورة الكريمة بأهم كتب التفسير المتوفرة بالمكتبة الشاملة، ومراجع أخرى غيرها، ولأنها كتب ألكترونية في الغالب ، فسنكتفي في الاحالة باسم السورة):
(1)      في ظلال القرآن ، سيد قطب.
(2)      تفسيرالطبري، محمد بن جرير الطبري.
(3)      مفاتيح الغيب ، فخر الدين الرازي.
(4)      التفسير الحديث، محمد عزة دروزة.
(5)      أسماء سور القرآن وفضائلها، د. منيرة محمد الدوسري.
(6)      "تفسير الاخلاص والمعوذتين" ، محاضرة للشيخ المحدث/ عبدالعزيز مرزوق الطريفي.
(7)      نفسه.
(8)      التحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور
(9)      نفسه.
(10)   تفسيرالطبري.
(11)   في ظلال القرآن.
(12)   تفسير الطبري
(13)   أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، العلامة محمد الامين الشنقيطي.
(14)   تفسيرالطبري.
(15)   أضواء البيان.
(16)   أسرار ترتيب القرآن، جلال الدين السيوطي.
(17)   ملامح بلاغية من سورة الإخلاص – د. هيفاء فداء.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كافة الحقوق محفوظة 2013 © مدونة alghasry