هوس الحرية

يطول عجبي من دعاة الدين المدني المفتونين ببريق دعايته الزائفة!..
1.      يؤمنون بحرية الإنسان ويبثون لها لواعج الأشواق، دون إطارها العاصم: العبودية لخالق الانسان!.. ثم يطالبون بحقوق الإنسان بمنأى عن حقوق خالقه.. وقد أجمع ذوو العقول من جميع أمم الدنيا أن "الحرية المطلقة مفسدة مطلقة"..

2.      مسكونون بالدولة المدنية حد الهوس، في عداء للروابط الجامعة مهما كانت نصاعتها كالخلافة الاسلامية مثلا، ولا يتورعون عن وصمها بالامبراطوريات!... ومن قال إن الامبراطوريات ولى عهدها إلى غير رجعة .. ألسنا أمام دول معاصرة تمارس سيادتها، وتحقق مصالحها خارج حدودها الجغرافية، كلما سمحت قوتها بذلك، وليس ثمة دول تتقوقع على ذاتها إلا إذا كانت ضعيفة مغلوبة على أمرها.
3.      وكيف يتسق هذا مع حقبة العولمة والقرية الكونية الواحدة، وما تعنيه من تراجع لدور الحدود الجغرافية والسياسية والثقافية والاقتصادية، حيث أصبحنا نسمع عبارات من قبيل "العولمة هزمت الجغرافيا"، و"موت الجغرافيا" أو "موت المسافات"، وحين نادى فوكوياما بنهاية التاريخ انبرى معارضوه مؤكدين نهاية الجغرافيا.
4.      إن أكبر خطأ منهجي وقع فيه هؤلاء المنهزمون اعتبارهم "الليبرالية الغربية" معيارا ومنظارا، يهيمن على سائر الأديان والأفكار والتجارب البشرية في القديم والحديث!.. فكل الكيانات البشرية عبر التاريخ مرفوضة عندهم لأنها لا تستكمل شروط الدولة المدنية!.. وما دروا أن إعمال أدوات عصر معين في تقييم عصر آخر مختلف الظروف والسياقات هو عين الجهل.
5.      ثم إن المبادئ الغربية التي ينادون بها محاصرة بمنغصين، يجعلان السعي لاستنباتها في بيئتنا الاسلامية طيشا وسفها!.. فالمنغص الأول عائد إلى ظروف وحيثيات النشأة، التي تسري فيها أنات المعذبين والمظلومين في حقبة الاستعمار، مضمخة بعرق المستعبدين المقهورين.. وإن كان هؤلاء نسوا تلك الحقبة بفعل سكرة الانهزام فهل غاب عنهم واقعنا اليوم، حيث ديموقراطياتهم المعاصرة  تحتل دولا بكاملها، ولا تزال أساطيلها جاثمة فوق صدر الأمة، تخمش وجهها بمخالب الظلم والطغيان، وتحاول نزع لباسها لباس التقوى، ولها في بعض بني الجلدة خير ظهير ومعين.
6.      وحتى لو سلمنا جدلا بأن المبادئ الغربية قد حكمت واقع القوم، وحققت للانسان بعض المكاسب، فإن عمرها لا يساوي في عمر الزمن شيئا، ولم يستقر أصلها ولم تمتد جذورها.. لذا فإنها تتلاشي عند أبسط اختبار كما هو مشاهد.
7.      ومن التناقضات الشنيعة لدى دعاة الليبرالية رفضهم أي إلزام للشرائع والشعائر .. يتعلقون بقول الله تعالى : "لا إكراه في الدين" ويحملونه على غير معناه، وهم يرون الاكراه في الديمقراطية!.. فأسيادهم يفرضونها على باقي الأمم بقوة الحديد والنار.
8.      وفي مقابل ذلك تطمئن نفوسهم لكل مبدإ وفكر وعمل مهما كان انحرافه ويدافعون عنه، بل ويبرر بعضهم لأهل الكفر كفرهم، والله لا يرضى لعباده الكفر.
9.      وستشهد هذه الحقبة خيبة المنظرين لليبرالية الاسلام، تماما كما حصل مع المنظرين لاشتراكية الاسلام!.. فقد اكتشفوا أخيرا عوار الرأسمالية (ليبرالية الاقتصاد) حين عصفت بها الازمات، وهم بحاجة لأزمات مماثلة لاكتشاف عوار الديمقراطية (ليبرالية السياسة).. لأنهم لا يفيقون إلا على الصفعات حتى لو تغنوا بالعقلانية!..
ويبقى الاسلام محفوظا على مر الزمان حتى يرث الله الأرض ومن عليها ..
          "فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كافة الحقوق محفوظة 2013 © مدونة alghasry